كتاب وآراء

الجزائر تفقع عين العاصفة !

بقلم محمد حسن الطالب
قبل أيام أفرجت الرئاسة الجزائرية عن مسودة الدستور الجزائري المرتقب ، بما تحمله من تعديلات مست جوانب مهمة ، قد تساهم في إرساء سياسات جديدة ، من شأنها تعزيز هيبة الدولة الجزائرية والرفع من مكانتها ومعالجة مختلف القضايا الداخلية والخارجية العالقة لديها منذ زمن .
ولفهم ما ترمي إليه هذه التعديلات الدستورية ، وهذا التوجه الجديد للجزائر ، لابد من إلقاء نظرة ولو موجزة على المرحلة السابقة ، والوقوف على القضايا الشائكة ، التي تشهدها المنطقة العربية خاصة منذ أواخر 2010 ومطلع العام 2011 ، أي خلال فترة ما سمي حينها ب “الربيع العربي” وفضح بعض الأجندات العدائية التي كانت مبيتة للزج بالدولة الجزائرية نحو الفوضى وعدم الإستقرار ، وجعلها ترضخ لإملاءات الدول الغربية وسياساتها الظالمة .
لا أحد ينكر أن الجزائر كانت مستهدفة وربما ما زالت ، كونها تتربع على ثروات وإمكانيات هائلة وموقع إستيراتيجي مهم ، والأكثر من ذلك تنتهج سياسة مدروسة ومرنة ، إستطاعت أن تتكيف مع مختلف المستجدات ، وأن تقف سدا منيعا في وجه سيل هادر من الإجندات العدائية الخارجية المبيتة ، التي أوهمت أنذاك العديد من الشعوب العربية بربيع زائف ، وجعلت من ثوراتها حجة للتدخل الأجنبي ، تحت مسميات مخادعة كالديمقراطية وحقوق الإنسان وما إلى ذلك ، ونستحضر هنا الوضع في كل من ليبيا وسوريا واليمن ، الذي ما زال يغلي إلى حد الساعة على نار تذكيها الدول المتنفذة ، عبر حرب بالوكالة تقوم بها مجموعات مصطنعة ، مازالت تستثمر في مأساة الإنسان العربي إلى اليوم دون هوادة .
لقد خرجت الجزائر من هذه الدوامة بسلام ، بعد أن سيطرت على وضعها الداخلي ، الذي تأثر إلى حد ما بما كان يجري على الساحة العربية آنذاك ، وأخمدت كل المحاولات الخارجية التي عملت على تغذيته والدفع به إلى التأزم ، ولكن هذا النجاح يفرض اليوم على الدولة الجزائرية المزيد من الحيطة والحذر وتطوير أساليبها بإستمرار للتصدي لمختلف المناورات المحتملة ، وبالأحرى في هذه الأثناء التي تجتاح فيها جائحة كورونا العالم دون إستثناء ، وقد يستغلها الإنتهازيون في غفلة الٱنشغال بهذا الفيروس الفتاك ، لنفث سمومهم وتوجيه سهامهم لمن يناصبهم العداء .
في هذا الإطار وبتأويلات مختلفة لطبيعة التوجهات الجزائرية المستقبلية ، لا يستبعد أن تعمل فرنسا على حياكة سلسلة من الدسائس ضد الجزائر ، خاصة في ظل تصلب المواقف الجزائرية تجاه السيناريوهات الفرنسية المحبوكة لدول شمال غرب إفريقيا ، وخاصة دعمها اللا مشروط للمغرب في قضية الصحراء الغربية ، ومحاولة إفشالها المساعي الجزائرية الرامية إلى رأب الصدع في ليبيا ، وتوحيد دول المغرب العربي على أسس من التكامل والإحترام المتبادل لخصوصية شعوبه وإرادتها في الحياة الحرة الكريمة ، وفي هذا الصدد يأت تصريح القنصل المغربي بوهران مدفوعا بالغضب ليصب الزيت على النار ، فعبارة “لاتنسوا أنكم في بلد عدو” التي خاطب بها القنصل رعاياه المغاربة ليست بريئة ، ولم تأت أبدا من فراغ ، ومن الواضح أنها كانت مقصودة في هذا الظرف بالذات ، الذي بدأت فيه أحلام المغرب ومن ورائه فرنسا تتبخر ، بشأن أية ليونة في السياسة الجزائرية المستقبلية ، ولذلك كان لا بد من زرع خنجر في خاصرة الجزائر ، التي لطالما نادت الدولة المغربية بالشقيقة ، ومع هذا تدرك الجزائر جيدا أن المغرب ليس إلا بيدقا من البيادق التي توظفها فرنسا ضمن رقعة الشطرنج التي تتحكم فيها ، ولهذا فالحنكة السياسية الجزائرية تتقن اللعب بدورها ، وتعرف مصدر الداء ، وكيف تصف له الدواء ، ولهذا كان الرد الجزائري دائما على مثل هذه الإستفزازت مؤلما ، كونه يتسم بالروية والفعالية ضد رغبة الخصم ، ويجعله في كل مرة يرتكب حماقات ومغامرات غير محسوبة العواقب ، وهكذا هي عادة الإستعماريين ومن يسبح في فلكهم ، أغبياء دائما ولا يستفيدون من دروس التاريخ .
بقلم : محمد حسنة الطالب

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق