كتاب وآراءمقالات

التاريخ يا ناس .. التاريخ .. !!

*التاريخ يا ناس .. التاريخ .. !! ..*

بقلم: عبداتي لبات الرشيد
أنا واحد من جيل لا يعرف شيئا عن تاريخ شعبه .. لا يعرف من أسماء الشهداء إلا القليل .. لا يعرف أماكن .. تواريخ المعارك والأحداث .. أنا واحد من جيل ولد ليجهل كل شيء .. واحد من جيل بالكاد يعرف إسم الوطن المغتصب ..
أنا واحد من جيل عندما يريد أن يجري بحثا في قضيته يلجأ الى المراجع والكتاب الأجانب .. الى روايات الغير .. الى شهادات الغير .. أنا وبكل أسف أنتمي الى جيل بائس إذا سألت واحدا منه كم تبلغ مساحة بلدك المحتلة وكم مساحة بلدك المحررة سيفكر لوهلة ثم سيخبرك بأنه لا يعلم مساحة البلد كاملة فكيف به أن يعرف هذا التفصيل الممل ..
أنا وبكل أسف واحد من جيل ولد وعاش ليعرف أسماء القادة وأبناء القادة أكثر من معرفته أسماء الشهداء وأبناء الشهداء .. ليعلم عن السرقات والفضائح مصدر العار أكثر من علمه عن البطولات والمعارك مصدر الفخر ..
أنا واحد من جيل فتح عينه في بلد ومجتمع أريد له أن يتحدث عن السخافات والتفاهات أكثر من حديثه عن قضاياه المصيرية .. أن يهتم بالأمور الصغيرة أكثر من إهتمامه بالأحداث الكبيرة .. أن يثرثر في أسواقا وأكل الغيبة والنميمة أكثر من الجدال في الثقافة والعلوم والكتب والكتابة ..
أنا واحد من جيل ولد وعاش ليتملق للأحياء وليمجد أولياء النعمة .. لينحاز الى القبيلة أكثر من الهوية .. لينتمي الى العائلة أكثر من الأمة .. لينتخب التافه .. ليتعصب للسخيف .. ليتحدث عن الأشخاص بدل السياسات .. عن الإنتماءات القبلية بدل الإنتماءات الفكرية .. ليدافع عن الأشخاص أكثر من دفاعه عن الوطن ..
أنا وبكل أسف واحد من جيل غير محظوظ ولد ليستيقظ .. يثرثر ثم ينام نوما خالي من الأحلام مليء بالكوابيس والقلق على ماض لا يعرف عنه شيئا وحاضر مقرف ومستقبل غامض ومجهول ..
أنا واحد من جيل فتح عينيه على نوعية ونمط من المسؤولين والإطارات يقدسون القائد وهو حي ثم وبكل بساطة ينسونه وهو ميت .. نمط من المسؤولين والإطارات يتكلمون عن الحدث أو الذكرى بلغة خشبية مقرفة متبوعة ببعض الزغاريد والتصفيقات الغير واعية ولا المدركة لغياب المعنى والعمق والفكر ..
لا أعلم إن كان الرئيس الشهيد وهو الذي قاد مسيرة هذا الشعب لأربعة عقود قد ترك شيئا للتاريخ .. مذكرات، رواياته وشهاداته عن الحقبة التي ترأسها وآمل وبكل صدق أن يكون قد فعل ذلك خاصة وأن الرجل قد علم في وقت ما بأن النهاية تقترب وخاصة وهذه الأهم أن الرجل كان شاهدا على قبر وقتل تاريخ وفكر الشهيد الولي ورفاقه ومن قبلهم بصيري ورفاقه ومن قبلهم جميعا تاريخ مقاومة ممتدة لقرون بأكملها .. لا شيء ترك للأجيال غير التخبط .. لقد ترك -بضم التاء- تاريخ شعب بأكمله كما ترك الشعب نفسه لمصيرهما ..
لقد كان موجب هذه الخربشة المملة أن بعض الأصدقاء قالو لي أنهم ينتظروني مني كتابة جديدة في ذكرى الرئيس الشهيد محمد عبدالعزيز ..
وفي الواقع لقد كتبت عن محمد وأكثر ربما من ما كتبه عنه رفاق دربه مجتمعين ولكنني مجرد مواطن .. مواطن .. لا أتذكر من حقبة الرئيس الشهيد إلا القليل فقد فتحت عيني عليه في مرحلة الوعي رئيسا وأنا طالب أجلس في مقاعد الدراسة ومن ثمة في سنواته الأخيرة وهو يعاني المرض حيث كنت قد دخلت لتوي الحياة العملية كموظف جديد يتلمس خطواته الأولى ..
وبالتالي فإن ما كتبته لا يعدوا كونه خواطر لذكريات قليلة جمعتني به أكثرها عن طريق الصدفة فكتبت عنها لا كسياسي يوافق او يخالف الرجل او كرفيق درب يؤرشف لحقبة ما بل كتبت كإنسان تجاه إنسان بين يدي ربه وجب ذكر مناقبه الحسنة للترحم عليه ..
ولكن يبقى أن على رفاق الراحل الذين صنعوا معه السياسة وتحكموا ولزمن طويل بمصير هذا الشعب وأمسكوا بزمام أموره أن يخرجوا عن صمتهم وأن يكتبوا عن حقبة الرئيس الشهيد والحقب التي قبلها بما لها وما عليها وهذا ليس لأجل محمد ولا الولي ولا بصيري ولا كل الشهداء بل وبالدرجة الأولى لأجل الأجيال اللاحقة وكي يكون لهذه الأمة تاريخ حتى ولو كان في جزء منه تاريخا عنوانه الفشل والإخفاق والسواد .. فالتاريخ يبقى تاريخ وأي زعيم لشعب معين هو لا يؤسس لنفسه وعائلته بل لوطن ولشعب وبالتالي فالإرث كل الإرث هو ملك للوطن وللشعب لا يجب إحتكاره ومن الخطأ قبره ومن العار تشويهه او تزويره ..
ورحم الله الشهيد الراحل وكل الشهداء ..
*عبداتي لبات الرشيد*

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق