مقالات

ثلاثة استحقاقات قادمة في ثلاث دول مغاربية ، فماهو القاسم المشترك بينها في ظل المتغيرات الدولية الحالية والمستقبلية ؟

محمد حسنة الطالب
يجري التحضير هذا العام لثلاثة استحقاقات رئاسية في كل من الجزائر ، موريتانيا والدولة الصحراوية ، ولمعرفة القاسم المشترك بين هذه الدول إستراتيجيا لابد من سطور عن الدولة المركزية ذات المؤهلات والمزايا الكثيرة في هذا الثلاثي ، وإلقاء نظرة على العامل الزمني وسبب تقارب هذه الأحداث السياسية .
 لاشك في أن الجمهورية الجزائرية تشكل ثقلا سياسيا ، إقتصاديا وأمنيا لايستهان به على الساحة الدولية والإفريقية خاصة ، فمابالك بوزنها في منطقة المغرب العربي وفي حدود ثلاث دول بالتحديد ، ففضل الجزائر وقوتها يعود الى مبادئ ثورة أول نوفمبر والى كونها دولة مؤسسات لا تزول بزوال الرجال ، فهي من برهنت منذ استقلالها في الخامس يوليوز 1962 على إحترام سيادة الدول وإرادة شعوبها في الحرية والإنعتاق ، كونها عاشت تاريخا مريرا من المقاومة والنضال كان ثمنه مليون ونصف المليون شهيد ، حيث احترمت الجزائر إستقلال موريتانيا الذي أعلن عنه في 28 نوفمبر من العام 1960، في الوقت الذي لم يعترف به المغرب المهوس بالتوسع على حساب جيرانه ، إلا في العام 1969 ، وهي نفس السياسة التي مازال ينتهجها الإحتلال المغربي حتى اليوم ضد الشعب الصحراوي ودولته التي تأسست منذ 43 عاما خلت وبالتحديد في 27 فبراير 1976 ، حيث اصبحت خلال هذه الحقبة الزمنية الطويلة حقيقة تاريخية داخل إفريقيا وخارجها ، هذا فضلا عن اعتراف الأمم المتحدة بجبهة البوليساريو كممثل شرعي ووحيد للشعب الصحراوي المناضل من أجل الحرية والاستقلال ، ولهذا كانت الجزائر أيضا سباقة لمؤازة القضية الصحراوية انطلاقا من مبادئها الداعمة لحركات التحرر في العالم ، وهو الشئ الذي مازالت تقوم به حتى اليوم من خلال مثلها العليا وسياساتها الرشيدة ، سواء في إطار الاتحاد الإفريقي أو على مستوى منظمة الأمم المتحدة ، ومجلس الأمن الدولي ، أو في غير ذالك من  المناسبات الدولية الكبرى ذات الصلة بظروف الإنسان وحقوق الشعوب المستعمرة في تقرير المصير والاستقلال .
 إذا علاقة الجزائر بكل من الجمهورية الإسلامية الموريتانية ، والجمهورية العربية الصحراوية ، هي علاقة تكامل وتعاون ومصالح مشتركة ، ولاغرو في أن تقود الجزائر بكل ما لديها من إمكانيات هائلة ومختلفة هذا الثلاثي التواق الى الأمن والسلام ومسايرة ركب التطور ، والى البناء والتحرر من كل اشكال الهيمنة والضياع .
 على هذا الأساس لايمكن بتاتا  إعتبار ولاتفسير هذه العلاقة على انها علاقة تبعية للجزائر ، أو على أنه تدخل منها في شؤون الغير ، بقدرما هي علاقة تكامل واستيراتيجية مشتركة في مختلف المجالات ترمي الى تحقيق الأفضل ، لاسيما في زمن لم تعد تحترم فيه قوانين ولا مواثيق الشرعية الدولية ، ولا مكان فيه إلا للتحالفات والتكتلات لدرء الخطر .
 وهنا نصل الى الاسباب  التي أدت الى ارتباط الإستحقاقات الثلاثة المذكورة بعضها ببعض وسبب تزامنها في سنة 2019 ، ففي الجزائر هناك المصلحة العليا للبلاد وهناك إرادة شعبها في التغيير طبقا لأصول الديمقراطية ومبادئ حقوق الانسان ، وبين المصلحة العليا وإرادة الشعب ربما يحاول البعض دق  إسفين في مصير هذا البلد ليصبح على كف عفريت كما حدث في العشرية السوداء ، وتلك خسارة كبرى قد تتعدى حدود الجزائر الى الجيران وتعصف بأحلام التكامل في العديد من المجالات ، وعليه يجب الكثير من الوعي والحيطة والحذر  قبل أن يعيث بائعوا الضمائر في مكة الثوار خرابا وفسادا .
لقد بات من المؤكد إجراء انتخابات رئاسية في الجزائر إبتداء من 18 أبريل القادم وسواء ترشح بوتفليقة أم لم يترشح فصناديق الاقتراع هي الفيصل في انتخابات يجب أن تكون نزيهة وشفافة يحضرها ويتابعها مراقبون دوليون لمنع أي تزوير في النتائج ، ومهما يكن الرئيس الفائز ، فإنه لا يستطع التغيير في الثوابت الجزائرية باعتبارها دولة مؤسسات لايرتهن وجودها بأحوال ومصير الأشخاص ، لأن ذلك الأمر منوط بمجلس وبهيئات دستورية وقانونية عليا لها الكلمة الفصل في كل ما من شأنه المساس بمصلحة البلاد وشؤون العباد .
من هذا المنطلق يمكن أن ينظر المواطن الجزائري فقط الى البرامج الانتخابية للمترشحين لخوض غمار الرئاسة ، ودورها في تحديد الاولويات على الساحة ، فهناك العديد من القضايا التي تحرك الشارع اليوم ، وهناك أيضا شبكة علاقات دولية واسعة ومصالح مع الجزائر ، لايمكن الإستهانة بها أو تركها على الهامش ، لأنها من محددات السياسة الخارجية ونجاحها في هذا البلد .
ومما لاشك فيه أن البرامج الانتخابية تأت دائما للنهوض بالدولة ولمعالجة مختلف الانشغالات الهامة للمواطن ، والتي يأت على رأسها محاربة الفساد بكل أشكاله وترتيب البيت الداخلي للبلاد بطريقة تحدث تحولا نحو الرقي والازدهار وتحافظ على الإستيراتيجية البناءة  خاصة مع من تتقاسم معهم ملح السياسة والمصالح .
في ظل هذه المعطيات التي بدأت تجلياتها تظهر في الواقع الجزائري اليوم ، ستأت الانتخابات الرئاسيه في موريتانيا في إبريل 2019 في ظروف شبيهة وفي وقت ترفض فيه المعارضة الموريتانية كما في الجزائر التجديد لعهدة أخري للرئيس محمد ولد عبد العزيز ، وهو الشئ الذي جعله ينفي نيته مسبقا في الترشح للرئاسيات مرة اخرى في بلاده رغم إلحاح حزبه – الاتحاد من اجل الجمهورية – ومؤيديه من الساحة الموريتانية عموما ، وإن صدق قراره هذا فقد يجنب بلاده كل مظاهر التوتر والإحتجاج على عكس مايحدث في الجزائر اليوم التي لم يصدر عن رئيسها بعد أي نفي لإعادة ترشحه للمرة الخامسة لحكم بلاده ، وعلى أي لايمكن البت في هاتين الحالتين وتصديق أمر هذين الرئيسين إلا بعد إيداعهما لملفات الترشح من عدمه الى المجلسين الدستوريين في كلا البلدين.
أما المؤتمر الشعبي العام الخامس عشر لجبهة البوليساريو فلقد تم تأجيله الى صيف هذه السنة 2019 ، وهو الإستحقاق الأعلى الذي يعلن فيه عن إنتخاب الأمين العام للجبهة ، الذي يعتبر اوتوماتيكيا رئيسا للدولة الصحراوية .
 وهنا نلفت الانتباه الى الفارق في عدد مرات الترشح والإنتخاب بين الرؤساء الثلاثة عبد العزيز بوتفليقة ، ومحمد ولد عبد العزيز  وابراهيم غالي، إذ يعد الرئيس الصحراوي هو أقلهم فترة في الحكم ، لا بل أن وجوده الآن كأمين عام للجبهة ورئيس الدولة الصحراوية كان بسب حالة طارئة إستدعت إنتخابه في مؤتمر استثنائي لتكملة عهدة سابقه الراحل محمد عبد العزيز ، وهو الشئ الذي جعله يتقيد بمخرجات المؤتمر الرابع عشر للجبهة بالإضافة الى  بعض الصلاحيات القانونية المحددة ، والتي لم تمكنه من إحداث نقلة نوعية كبيرة رغم ما يبذله من جهود لتحسين الوضع وخاصة على الصعيد الداخلي .
إذا وخلاصة لما سبق يكون تزامن هذه الإستحقاقات الرئاسية الثلاثة المذكورة ، تأكيد على ارتباط مسار بلدانها الإستيراتيجي بعضه ببعض ، وانطلاقا من ذلك يمكننا إعتبار كل من الجزائر و موريتانيا والجمهورية الصحراوية تكتلا دوليا واحدا ، يسعى الى انضمام بقية الإخوة في الجوار لمواجهة مختلف التحديات السياسية ، الأمنية ، الإقتصاديا ، وإلإجتماعية وغير ذلك من الأمور التي لاتخدم مصلحة هذه البلدان وإرادة شعوبها في الاستقرار وفي التطور والنماء ، وفي الوحدة والتخلص من كل مظاهر الظلم والخلاف . ولا يغيب عن الأذهان في هذا التوجه إعتراف كل من الجزائر و موريتانيا بالجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية ، إضافة الى مايقارب الثمانين دولة عبر العالم وهي المسألة التي مازالت تشكل حساسية لبعض وسائل الاعلام العربية خصوصا ، وخاصة المستقلة منها، التي مازالت لا تعترف بأن السكوت على الحق باطل ، بالرغم من ٱتضاح المسألة التي جعلت الإحتلال المغربي  خارجا عن هذا الركب الذي تبلورت معالمه في المغرب العربي وقد يبشر بمستقبل واعد لدول وشعوب المنطقة ككل إذا ما تناست خلافاتها على اساس من التعاون والتكامل والاحترام المتبادل .
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق