كتاب وآراء

خطاب الملك والرمق الأخير للإحتلال المغربي.

ليس تشفيا أو تهكما في حالة إنسانية تعد من قضاء الله وقدره ، ولكنه وصف لمشهد بدا فيه الملك المغربي واقفا متحاملا على أوجاعه شاحب الوجه ضعيفا وخائر القوى ، بالكاد يجلس على كرسي العرش وبيديه رعشة وهو يمسك بأوراق ليتلو مضمون خطابه الذي حدد زمنيا بثلاث دقائق على الأقل مراعاة لظروفه الصحية التي يراها “العياشة” من صحة بلدهم ، فكانت المناسبة حجة عليه وكانت الرسائل ضمنية تنبئ بالرمق الأخير للإحتلال المغربي في الصحراء الغربية ، ولعلها أيضا تلمح لمحاولة لرأب الصدع مع دول الجوار بطريقة أو بأخرى تفاديا للعزلة الدولية الخانقة التي تعيشها ملكيته المطلقة .

إن المتتبع للأحداث في المنطقة الساخنة من شمال غرب إفريقيا، سيجد أن المملكة المغربية غارقة حتى الأذنين في قضية الصحراء الغربية التي أصبحت تهدد وجود العرش بتداعياتها وتؤرق الشعب المغربي بإنعكاساتها السلبية على واقعه المرير وخاصة بعد عودة الحرب في 13 نوفمبر2020 ، فمن نكران الحرب الى الإعتراف بها والمعاناة من أضرارها في آخر المطاف ، إلى اليد الممدودة للملك محمد السادس نحو الجزائر ورغبته الملحة في أن تفتح حدودها أملا في إعادة العلاقات بين البلدين ، الى فشل سياسة شراء الذمم والمواقف والتعويل على تغريدة دونالد ترامب وإستجداء الإعتراف بالسيادة المغربية المزعومة على الصحراء الغربية بمختلف الأساليب ، الى مسرحية القنصليات والمشاريع الإقتصادية الوهمية في إفريقيا ، الى محاولة التقسيم التي إقترحها النظام المغربي على ديمستورة الممثل الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة ليطرحها هذا الأخير في إحاطة سرية لمجلس الأمن الدولي كحل ومخرج ممكن من نزاع الصحراء الغربية الذي عمر طويلا وكان فيه المغرب كمن يلهث وراء السراب ، الى الضغط على إسبانيا والخنوع لفرنسا ومغازلة الجزائر أخيرا بمنفذ على المحيط الأطلسي ، كل هذه المحاولات اليائسة وهذا الترنح في سياسة الإحتلال والتذبذب الوارد في خطاب الملك المريض في كل مرة ، يشي بما لا يدع مجالا للشك بعدم قدرة النظام المغربي على حسم هذا الصراع لصالحه وتكريس سيادته المزعومة على الصحراء الغربية ، وعجزه الواضح عن فرض أجنداته الظالمة على دول المنطقة ، ولذلك كله لم يختلف مضمون خطاب الملك الأخير عن حالته الصحية المتدهورة ، لأنه كان بالفعل بمثابه إيماءة تفيد بالهوان وبحاجة العاهل المغربي وبلده الى قسط كبير من الهدوء والخلود الى الراحة والأمن والإستقرار بالتخلص من مشكل الصحراء الغربية المزمن الذي أنهك الملك ومملكته وعكر صفو حياة شعبه الذي مل الوعود والأحلام بمعالجة أزماته المتفاقمة منذ 46 عاما على تنظيم تلك المسيرة السوداء التي شملت حوالي 300 الف من جياع المغرب بغية إجلائهم بعيدا عن القصر وإلهاء الشعب المغربي في ما بعد بقضية لا ناقة له فيها ولاجمل وبحبل طويل من الكذب والمغالطات والدعاية الجوفاء درءا للخطر الذي كان يتهدد النظام الملكي آنذاك ، بالنظر إلى تلك المحاولات الإنقلابية المتكررة التي وإن باءت كلها بالفشل إلا أنها كانت جرس إنذار مزعج للغاية ، أثقل كاهل الملك الحسن الثاني وفرض عليه أخذ تدابير متنوعة للحفاظ على سلامته وعلى إستمرارية العرش الذي كان ومازال في عين العاصفة .

النظام المغربي اليوم في عهد محمد السادس يعيش على توقعات مشابهة وأخطر من ذي قبل لا سيما في ظل الوعي المتنامي والواقع المزري الذي سيدفع لا محالة بالشعب المغربي الى التغيير والخلاص من زمن العبودية والهوان أكثر من أي وقت مضى وخاصة بعدما ظهر نظام المخزن على حقيقته وتكشفت عورته وكل أكاذيبه ومغالطاته الواهية التي لا تستند الى أبسط دليل .

في خضم هذا الوضع المغربي المتأجج والذي يغلي على صفيح ساخن بسبب القهر والحرمان والتورط في مشكل النزاع في الصحراء الغربية ومحيطها الإقليمي ، كل هذه المعطيات وغيرها جعلت مصير النظام الملكي المغربي على فوهة بركان قد ينفجر في أي وقت من الأوقات ، لا سيما مع تزايد نسبة إنتشار الفقر وتضاعف الغبن وإتساع رقعة الظلم وإستشراء الفساد بكل أنواعه في مفاصل الدولة المغربية وبصورة كارثية تجاوزت حدود الصبر ومتاهة الولاء للملك وسلبية البيعة للعرش وأدت الى كسر حاجز الخوف واقلاع غالبية الشعب المغربي عن الذهنيات البالية وطقوس العبودية التي عفى عليها الزمن ، وأصبحت توحي بقيام ثورة عارمة قد لا تبقي ولا تذر إذا ما أخذنا بعين الإعتبار ما يجري في قطاع غزة وفي فلسطين ولبنان بصفة عامة من مجازر وجرائم إنسانية فظيعة ومن دمار شامل ومهول يندى له الجبين وتنفطر له القلوب بفعل العدوان الإسرائيلي ومساعدة نظام المخزن العميل الذي إنحرف عن ثوابت القومية العربية وخان القضية الفلسطينية خوفا من أمريكا وتزلفا للكيان الصهيوني الذي طبيع معه العلاقات خلافا لرأي الشعب المغربي ، بل وخدمه في العديد من المجالات الحساسة والخطيرة التي تلاعبت بمشاعر الأحرار المغاربة وإرادتهم الراسخة في الحرية والكرامة ودعم ومناصرة أشقائهم في فلسطين في مواجهة الجرائم النكراء التي لا ينفك الإحتلال الإسرائيلي عن إرتكابها .

بكل هذا الواقع المأساوي وما تمخض عنه من تغول للمخزن وإنعكاسات سلبية لسياساته الظالمة للشعب المغربي والتوسعية نحو الجيران ، أحس الملك المغربي ونظامه المخزني بلهب حارق من كل الإتجاهات جعل خطاب الملك المتناقض يميل الى تلطيف الأجواء للتخفيف من حدة التوتر والحد من عزلته الدولية الخانقة ، التي فرضتها عدالة القضية الصحراوية التي زادت شرعيتها وتعاظم تكريسها بعناية فائقة على مستوى الهيئات والمنظمات الدولية المختلفة بفعل حكم محكمة العدل الأوروبية الأخير ، هذا فضلا عن ما يفرضه الواقع من خلال تشكل تحالفات دولية فاعلة في العالم وتكتلات إقليمية جديدة في منطقة شمال غرب إفريقيا ، رأينا صورتها البليغة في لقاء رؤساء جمهوريات كل من الجزائر ، الصحراء الغربية ، تونس ، ليبيا وموريتانا على أرض الجزائر مكة الثوار وقبلة الأحرار التي لا تطأها أقدام الخونة والعملاء المنبطحين لإسرائيل .

بقلم : محمد حسنة الطالب

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق