مقالات

ما لم تره الصحفية باتريشيا

عبداتي المحجوب رمظان

تابعت شريطا وثائقيا، عرض على قناة مغربية، تحت عنوان “من تندوف إلى العيون، طريق الكرامة”، وقد أعجبت بالطريقة التقنية و “المهنية” و حتى الإحترافية التي أنجز بها الشريط، رغم انه من الناحية الأخلاقية لا يعدو كونه مجرد دعاية إعلامية مدفوعة الأجر لصحفيين “مرتزقة” عادة ما يتجهون نحو الإصطياد في المياه العكرة بعد الإفلاس المادي في بلدانهم.
و مع ان المغرب عادة ما يكون بلدا سخيا و معطاءا مع أي شخص يمكن أن يعمل على تلميع صورة النظام، فقد كانت الصحفية ، باتريسيا، من بين الصحفيين القلائل و المحظوظين ممن لم تباغثهم أجهزة الشرطة لإبلاغها قرار الترحيل و أنها شخص غير مرغوب فيه، لذلك فقد كانت صادقة في المثل الذي أعطاها إياه شخصا صحراويا كما تدعي، بأن أربعة أصابع تفصل بين الحقيقة والكذب، أو بمعنى آخر تفصل بين ما يروى و ما يشاهد، إلا ان باتريسيا لم تستعمل كافة الأصابع حتى لا يتم ترحيلها، لذلك حذفت خنصر يدها خلال الرؤية ( الأصبع الصغير من اليد)، وأكتفت بأصابع يدها الثلاثة المتبقية ما يعني ان الجزء الأكبر من الحقيقة لازال غائبا، وهو ما لم تراه أثناء بحثها عن الكرامة، رغم أنني شخصيا لم أفهم معنى “الكرامة” الذي تتحدث عنه. هل هو مرتبط بإدعاءتها فيما يحدث شرق الجدار، او حول ما يحدث غربه.
في هذه الدعاية الإعلامية والتي إرتدت عباءة الوثائقي، لن أخوض في واقعة إدعاء “الإغتصاب”، لأن أهل الإختصاص هم المعنيون بالأمر، والسلطات الصحراوية هي المخولة بإنصاف الضحية إن ثبت الجرم، أو العكس في حالة عدم ثبوته ومحاكمة المدعي، ولكن سأتطرق لمجموعة من النقط تؤكد أن باتريسيا قد حادت عن طريق “الكرامة” نحو طريق “الذل والمهانة”.
اولا: لقد زار مخيمات اللاجئين الصحراويين، قبل باتريسا، صحفي مغربي، كان يشرف على جريدتين مغربيتين “تل كيل” و “نيشان”، و أجرى تحقيقا داخل المخيمات بكل اريحية وبكل شفافية كان سببا في تضييق الخناق عليه من طرف النظام المغربي حين دحض نظرية “المحتجزين”، وكل ما يروج له الإعلام المغربي، وهي نفس القناعة التي توصل إليها أيضا الصحفي المغربي الشهير، علي لمرابط، وقد نال ذات المصير. والإثنين معا فرض عليهم العيش في المنفى الإختياري في بلاد الغير، بعد ان خابت آمالهم في أن يعيشوا بكل كرامة في وطن لا يحترم حقوق الإنسان و ضيق عليهم هامش حرية التعبير إلى ان ضاقت بهم سبل الحياة.
ثانيا: حتى و إن إتفقنا مع باتريسيا في مقارنتها، بين ما يحدث شرق الجدار و غربه كما سمته، رغم وجود فارق وهي الحالة التي تنتفي فيها عملية المقارنة علميا، فالسؤال المطروح : لماذا لم تستضف باتريسيا، اثناء زيارتها للعيون المحتلة، ولو مناضلا واحدا على الأقل، من النشطاء السياسيين الصحراويين المطالبين بحق تقرير المصير، كما فعلت في الطرف الآخر، في مشهد سينمائي محبوك، مع “المحفوظ” أقرب إلى أن يكون إستنطاقا بوليسيا على الطريقة الأمريكية، والذي حاولت من خلاله بشكل مقصود إنتزاع إعتراف من “الضحية” بتعرض النساء الصحراويات للعنف من طرف الشرطة الصحراوية، في مخيمات اللاجئين الصحراويين، بعد أن نجحت في إسقاطه في فخ إدعاء الإغتصاب. لكن غياب الخنصر من أصابع يدها الاربعة، حجب عنها رؤية حقيقة العنف الممارس ضد المرأة الصحراوية هنا في العيون.
ثالثا: تزييف الحقائق و تحريف التصريحات، كما حدث مع الطبيب الإسباني، والذي بإمكانه رفع دعوى قضائية ضدها لدى المحاكم الأوروبية العادلة، حيث تم تحريف كلامه من خلال الترجمة، و أريد لنا ان نبتلع عنوة مصطلح “تختفي” وهو إتهام ضمني بالإختلاس، في حين أن الطبيب قال بالحرف “نجلب طنا أو طن و مئتي كيلوغرام من الأدوية… وبعد ثمانية أشهر تنتهي”، ولم يقل “تختفي ” و المقصود هنا أن الكمية غير كافية ولا تستطيع تلبية حاجيات سكان المخيم بأكمله.
رابعا: حفاوة الإستقبال التي حظيت بها باتريسيا، دون غيرها من الصحفيين الأجانب، والتسهيلات اللوجيستية التي تم توفيرها، (من نقل و اكل ومشرب ومبيت…) ، ليست سوى شهادة تزكي أن أبواب إقليم الصحراء الغربية موصدة في وجه من لا يسبح في فلك النظام المغربي، و إلا لماذا يتم ترحيل غيرها من الأجانب ممن يحاولون وضع أصابعهم الأربعة، بين العين والأذن، لمعرفة الحقيقة، ويرحلون قسرا إلى بلدانهم فور إتصالهم بأي مناضل او ناشط سياسي صحراوي.
ما لم تراه باتريسيا ليس بالقليل، ولا يقتصر على بناية رياضية هنا او هناك، و لا على سوق للسمك هنا و هناك، ولا على منجم هنا و طاقة ريحية هناك.. وكلها مشاريع لا يستفيد منها الصحراويون بقدر ما تدخل ضمن خانة تكريس الإستيطان، ولكن الحقيقة التي لم تراها باتريسيا توجد في حي لابوركو ولاحوهم والزملة و ديرأيدك حيث الفقر المدقع، أما حي معطلا فلم يعد حيا سكنيا بل اضحى ثكنة عسكرية، ونظرا لكون “الصحفية” باتريسيا لم تستعمل أصابع يدها كاملة و حذفت الخنصر الصغير فقد حجب عنها رؤية مشهد عسكرة المدينة.
بعد ان كانت مهنة للمتاعب والخبر فيها مقدس أصبحت مهنة التلاعب بالخبر المقدس.
الله غالب.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق