كتاب وآراء

الضعف العربي هل يستطيع أن يمد الملك بالقوة؟

بقلم حمدي حمودي

تعتبر قضية الصحراء الغربية من أبسط القضايا القانونية حيث أنها قضية واضحة المعالم في القانون الدولي فهي مدرجة كقضية تصفية استعمار، المتتبع البسيط الذي يفكر بكل هدوء وبساطة يعرف أن هناك شقين واضحين “أرض مملوكة” و”مستعمر” يستعمرها ويجب تصفية وإنهاء وجوده فيها بحكم الجمعية العامة للأمم المتحدة التي أقرت قرار صارما وثابتا لا حبا للصحراويين وتملقا لهم أو خوفا منهم أو طمعا فيهم ولا نكالا بالإسبان والمغاربة والموريتانيين الذين ادعى كل منهم أحقيته فيها بل درست القضية وأقرت محكمة لاهاي أن الشعب الصحراوي مالك الصحراء الغربية وهو من يحق له ملك أرضه وليقل كلمته التي يجب أن تكون بكل حرية وشفافية وديمقراطية وعن طريق الصناديق وبشهود الاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة.
غير أن كل ذلك ستظل نتيجته مضمونة وهي “استقلال الصحراء الغربية” والتي شعبها القليل العدد والكثير الخيرات ليس بأعمى ولا غبيا ولا أحمقا في أن يختار قوة أخرى يسلمها رقبته وخيراته.
بل خرج ككل الشعوب ثائرا ضد المستعمر الإسباني بمظاهرات سلمية من أجل نيل حريته واستقلاله والتمتع بثرواته وطبعا سيتقاسم المصالح مع جيرانه الذي من بينهم إسبانيا نفسها بحكم التاريخ والجغرافيا.
لكن وكما كل المستعمرين نكلوا بالشعب الصحراوي وأطلقوا عليه الرصاص جهارا نهارا 1970 وزجوا في السجون بأبنائه وكان مصير قائد الانتفاضة المفقود الى اليوم محمد أبراهيم بصيري التغييب والاختطاف ولا يزال لغز حياته في عنق الدولة الإسبانية تتكتم عليه.
وبناء على استنتاجات الشعب الصحراوي ورؤيته لمستقبله كي لا يظل تحت نير الاستعمار الإسباني رفض الخنوع والاستسلام، وبما أن الشرائع الدولية تقر بحق الشعوب بالكفاح المسلح حين يتعنت المستعمر فقد أنشأ الشعب الصحراوي جبهة شعبية من أجل تحرير “الصحراء الغربية” وهي الأرض التي كانت تسمى سابقا “الصحراء الإسبانية” وتاريخيا بالساقية الحمراء ووادي الذهب.
تلك حركة التحرير من أبناء الشعب الصحراوي هي من أعلنت الكفاح المسلح بعد ثلاث سنوات على مظاهرات 1970 الدموية حيث انخرط الشعب الصحراوي في تأييدها طمعا في الحرية والاستقلال تلك التي تسمى “الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب” والتي سميت بالإسبانية جبهة البوليساريو.
جابهت جبهة البوليساريو “الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب” المستعمر الإسباني ليس بالسلام الذي لم يحرك فيه شعرة بل بالكفاح المسلح.
لم يأت أي موريتاني لنصرة الشعب الصحراوي ولا أي مغربي ولا عربي بل بنادق المقاتلين الصحراويين وإخوتهم أيضا الذين شقوا عصا الطاعة من الجيش الإسباني الذي كان كثير منهم جنودا وضباطا والتحقوا بجبهات القتال والتحم الشعب الصحراوي بكل أطيافه رجالا ونساء وأطفالا حول الجبهة الشعبية من اجل طرد المستعمر الإسباني.
حاول الاستعمار وصف المقاتلين المجاهدين بالعصابات والمتمردين والخارجين عن القانون كما هي عادة المستعمر، ولكن بدأت الهزائم العسكرية وبدأ التململ في الجنود الإسبان وحتى تم أسرهم ومقايضتهم مع الثوار في المسجون الإسبانية آنذاك.
لم تكن المنطقة بشعبها الصغير المجاهد وثرواتها الهائلة خاصة سواحلها التي تعتبر أغنى سواحل العالم واكتشاف الفوسفات والثروات المعدنية المتنوعة بها ببعيد عن عيون العالم المتوحش الشره.
تمت من وراء الدهاليز اتفاقية مدريد التي بموجبها اتفقت إسبانيا والمغرب وموريتانيا على تقاسم الكعكة تتخلى إسبانيا عن الإقليم مقابل مصالح مع كلاهما ولم يكن يمكن ذلك طبعا إلا بمباركة أمريكية وفرنسية.
كان المغرب وموريتانيا البديل الذي سيمسك السكين لذبح الشعب الصحراوي نيابة عن إسبانيا التي تحت الضغط العسكري المتصاعد لجبهة البوليساريو والمنتظم الدولي مدانة أيما إدانة.
ظلت إسبانيا في اتصال مع جبهة البوليساريو من خلال قنوات تؤكد أنها ستقم بالاستفتاء وقامت بإحصاء الشعب الصحراوي 1974 ولكن في الخفاء كان خوان كارلوس والحسن الثاني وولد دداه يعدون العدة وينسجان خيوط المؤامرة ضد الشعب الجار.
وبدل أن يساعد الجاران موريتانيا والمغرب الشعب الصحراوي في بناء دولته التي سيكون أول مستفيد منها هم الجيران والمغرب العربي ككل اختارا العمالة والخنوع والرضوخ للمؤامرة وجند الحسن الثاني مئات الآلاف من جياع المغرب وحتى السجناء وجيّش شعبه ضد من؟ ضد الشعب الصحراوي وقال كلمته المشهورة “إذا وجدتم الإسبان فتقاسموا معهم الزاد وإذا وجدتم غيرهم يعني الشعب الصحراوي فاقتلوهم ” ولما سأله الصحفي عن جبهة البوليساريو إذا منعوكم من دخول وطنهم رد ” سنأكلهم”.
سنوات طويلة من الحرب الضروس أخرجت المستعمر الإسباني واليوم كل مدن إسبانيا تقف مع الدولة الصحراوية ومع الشعب الصحراوي والجمهورية الإسلامية الموريتانية تعترف بالدولة الصحراوية التي هي عضو مؤسس للاتحاد الإفريقي ويربط الشعبان بعلاقات ووشائج أقوى من المصالح والمنافع المادية والسياسية ويحضن كلا الشعبين بعضهما.
وكان الثمن غاليا دفعه المغاربة الأبرياء عشرات الآلاف من الجنود وضباط الصف والضباط المغاربة كانت تأكلهم رمال الصحراء دون دفن أو يردمهم الضباط لاحقا بعد كل معركة في مدافن جماعية بالبلدوزر كجيف الحيوانات الموبوءة.
مئات إن لم نقل الآلاف من الأسرى المغاربة عند الجيش الصحراوي بعضهم أفرجته عنه الدولة الصحراوية لكبر سنه ولم يعترف بهم الحسن الثاني الذين كانوا يدافعون عن حماقاته في الصحراء الغربية.
مئات المعطوبين والجرحى واليتامى والثكالى كانت نتيجة الحرب في الصحراء الغربية من أجل أن يبعد الملك الجيش المغربي بعد سلسلة انقلابات الى حرب الصحراء الظالمة ويلهي الشعب المغربي الضحية هو أيضا عن الواقع المر الاقتصادي والاجتماعي والسياسي.
لم تكن الحرب متكافئة نتيجة روح الشهادة والقتالية التي يتمتع بها صاحب الحق الكثير من المعدات التي يقتنيها المقاتل الصحراوي كانت من غنائم الحرب من الجيش المغربي
كان الصحراويون كاليوم بالذات يتسابقون للشهادة وللتضحية والفداء ولسان حالهم نحن نواجه ظالم وصائل ومعتدي على ارضنا نموت أحرارا أو نلق الله شهداء.
المال الخليجي والسعودي بالذات آلاف ملايين الدولارات كانت الاستثمارات السريعة للمال السعودي الذي عاهد عليه الحسن الثاني ملك السعودية أنه مجرد استثمار سريع النتيجة، سيرده في حالة استواء الطبخة.
ويموت الاثنان بعد توقيع الملك على تقرير مصير الشعب الصحراوي بعد انكسار شوكته وتخلى كل العرب والعالم عنه وقناعته أن الصحراويين لن يتخلوا عن أرضهم أبدا.
اليوم نقف عند حماقة جديدة حافة دعم عربي في زمن ضعف الحاكم العربي واستسلامه للصهاينة وبيع حتى الحاكم الفلسطيني لشعبه ولقضيته.
الشعب الصحراوي اليوم ليس هو الأمس أبدا، تغطي على حقه الدعايات المغرضة التي كانت جبهته البطلة المجاهدة التي أخرجت المستعمر الإسباني البوليساريو في الإعلام العربي المنحاز عبارة عن وصمة عار وأننا مجرد كوبيين وفنزويليين وغيره.
اليوم الشعب الصحراوي موجود في كل مكان والأهم أنه أكثر عزيمة وكل رجاله مقاتلين عند حزام الذل والعار المغربي يقصفون بالصواريخ التي أصواتها تصم العالم في مجلس الأمن في نيويورك على بعد عشرات الآلاف من الكيلومترات ولا تسمعه أذن محمد السادس الكبيرة التي تسمع دبيب النمل وآلات خياطة العلم الوطني في داخل بيوت المناضلين في المدن المحتلة.
الموقف العربي ضد الشعب الصحراوي ليس بجديد وكان ربما أكثر قوة حين مد بالسلاح والمال بسخاء الحسن الثاني وكان قويا يوم كانت اللحمة العربية مع فلسطين ولما كانت هناك جامعة عربية “موحدة” أما لما صار العرب مجرد عراة أمام العالم فلا يشرفنا دعمهم.
القضية الصحراوية لا تحتاج من يرافع عنها أحرار العالم والشعوب الحرة هي التي ظلت ترافع من هواري بومدين الى نلسون مانديلا وفيدل كاسترو الى الشعب الجزائري والشعوب الأوروبية الحرة وشعوب أمريكا اللاتينية وشعوب إفريقيا وليست دويلات الأنظمة التي رواتب موظفوها تأتي من الإليزيه.
القضية الصحراوية اليوم صوت البندقية هو أقوى الأصوات عندها والأهم من البندقية يد الحر التي تمتشقها وقلبه الشجاع.
بقلم حمدي حمودي

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق