كتاب وآراء

الصحراء الغربية: الاتحاد الأوروبي وبرنامج الغذاء العالمي يعريان الدعاية المغربية.

تعرضت الدبلوماسية المغربية لانتكاستين خلال الصيف الحالي، سواء على مستوى العاصمة الأوروبية
او على مستوى العاصمة الإيطالية، حيث توجد مقرات برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة، وذلك في اطار حملتها التشهيرية التي تستند الى سلسلة من الأكاذيب الساعية الى النيل من سمعة إدارة المساعدات الإنسانية الموجهة الى اللاجئين الصحراويين. ولفهم النوايا المخادعة لمهندسي هذه الدبلوماسية ـ المشهورين بقراءتهم الانتقائية للقرارات الصادرة عن الأمم المتحدة، وبتحقيقهم لبعض المكاسب المثيرة للريبة والمحصل عليها من خلال الابتزاز ودفتر الشيكات، وابعاد تلك النكسات فإنه من الملائم مراجعة تلك الأمور ووضعها في سياقها.

منذ ان تيقن المغرب من خسارته لرهان تنظيم استفتاء عادل وشفاف وديمقراطي بالصحراء الغربية تحت رعاية الأمم المتحدة، فقد أطلق العنان لمخيلته لسلسة مواضيع أراد لها ان تكون مرجعية في نهجه الجديد، الهادف الى اقناع المجتمع الدولي بأن ورقة تنظيم استفتاء لتقرير المصير في الصحراء الغربية قد اخنى عليها الذي اخنى على لبد، ما سيسمح له اضطرادا بتجاهل التعهدات التي توصل اليها مع الطرف الصحراوي. ومن بين تلك المواضيع التي تسعى الى التشهير بالسلطات الصحراوية، نورد “الحاجة الى اجراء إحصاء لعدد اللاجئين الصحراويين، مع الاخذ بعين الاعتبار ان الأرقام التي يتم النظر فيها غير دقيقة” وبالتالي التسليم “باختلاس المساعدات الإنسانية” الموجهة الى السكان المذكورين. بمعنى اخر، فانه اذا لم يتمكن المغرب من ارغام الشعب الصحراوي على الاستسلام من خلال جيش متعطش للدماء او عبر عملية سلام، فإنه يريد تحقيق ذلك بتعريض الصحراويين الى الموت جوعا.

اما بالنسبة للادعاء القائل بعدم وجود “ارقام دقيقة” لعدد اللاجئين الصحراويين، فإن الكتيبة الإعلامية للمخزن تتجاهل عمدا حقيقة ان المفوضية السامية لغوث اللاجئين التابعة للأمم المتحدة ACNUR وهي الوكالة الأممية المختصة بشؤون اللاجئين قد أصدرت تقريرا رسميا بعنوان “اللاجئون الصحراويون بتندوف الجزائرية: العدد الإجمالي لسكان المخيمات” في 02 مارس ،2018حيث ذكرت الوكالة في تقريرها: “وفقا لنتائج فريق الخبراء التابع للمفوضية السامية لغوث اللاجئين، فإن العدد الإجمالي الجديد للاجئين الصحراويين المقيمين بمخيمات تندوف الجزائرية هو 173.600 وذلك اعتبارا من تاريخ 31ديسمبر 2017”.

اما النسبة للادعاءات العارية عن الصحة والقائلة “باختلاس” للمساعدات الإنسانية، فلطالما نفخت الصحافة شبه الحكومية الروح في تقرير مثير للجدل منسوب للمكتب الأوروبي لمكافحة الغشOLAF، والذي يزعم انه تم الكشف عنه من قبل وكالة الانباء الفرنسية في يناير2015. والحقيقة ان التقرير المذكور قد صدر في العام 2007 ولم يتم نشره على الاطلاق اعتبارا للشكوك التي حامت حوله من حيث منهجية البحث ونتائجه. وفجأة حصلت وكالة الانباء الفرنسية على التقرير ونشرته في العام .2015وقد اثار توقيت نشر التقرير ومشاركة جماعات الضغط المغربية داخل مؤسسات الاتحاد الأوروبي فيه المزيد من التساؤلات حول مصداقية التقرير. ولأسباب أكثر من مبررة، لم يستند تقرير OLAF على مسح تم اجراءه بمخيمات اللاجئين الصحراويين، بل استند بشكل أساسي الى مقابلات صحفية تم احراؤها بالمغرب ولم يتم التحقق من صحتها، ومما عمق من الشكوك حول التقرير هو ان المكتب الأوروبي المذكور لم يقم اطلاقا بالتواصل مع البلد المضيف للاجئين أي الجزائر، كما لم يتواصل مع السلطات الصحراوية اثناء اعداد التقرير المشار اليه انفا.

خلال شهر يوليو من العام 2015، وصف المدير العام لمكتب المفوضية الأوروبية للمساعدات الإنسانية ECHO السيد كلاوس صورينصن ـ في احاطة امام البرلمان الأوروبي حول وضعية مساعدة الاتحاد الأوروبي للاجئين الصحراويين، انه واستنادا الى اكثر من 30 تقرير تدقيق تم اجراؤها منذ العام 2003 فإن نظام مراقبة المساعدات الأوروبية المقدمة للاجئين الصحراويين يعد “صارما” و “شاملا” مما ينفي الاتهامات باختلاس تلك المساعدات. وعلاوة على ذلك فإن المنظمات العاملة في المجال الإنساني والممولة من قبل الاتحاد الأوروبي لها تواجد ميداني وهي وتقوم بأعمال المراقبة بها خلال دورة توزيع المساعدات الإنسانية منذ مغادرتها مستودعات التخزين الى غاية التوزيع بالمخيمات.

وعلى وجه الدقة فإن لبرنامج الغذاء العالمي تواجد في 20% من نقاط التوزيع البالغ عددها ( 124 بما يتماشى تماما مع المبادئ التوجيهية الدولية للبرنامج). كما يقوم البرنامج بعملية الرصد في مرحلة ما بعد التوزيع لما لا يقل عن 80 الى 100 اسرة بالشهر، ويتم اختيار تلك الاسر بشكل عشوائي من قبل البرنامج دون تدخل خارجي.

وقد كثفت المفوضية الأوروبية وشركاءها جهودهم الرامية الى مراقبة المساعدات الإنسانية المقدمة للاجئين الصحراويين منذ عام2003. وتؤكد بيانات مكتب المفوضية الأوروبية للمساعدات الإنسانية ECHO ومجموع المنظمات غير الحكومية، علاوة على وكالات الأمم المتحدة العاملة بالميدان (مفوضية غوث اللاجئين ACNUR، برنامج الغذاء العالمي PAM، اليونيسيف UNICEF) على ان وصول المساعدات الإنسانية وتوزيعها يتم على مستحقيها يتم بطريقة شفافة وبدعم كامل من قبل السلطات الصحراوية.

وجدير بالذكر ان المساعدات الإنسانية التي يتم تقديمها غير كافية بالفعل، ما يؤكد زيف المزاعم المغربية الساعية الى التقليل من تلك المساعدات وتفاقم الظروف المعيشية للاجئين، و بالتالي استخدام تلك المساعدات لأغراض سياسية.
تعد النداءات المتكررة لعديد المنظمات الدولية ـ بما فيها المفوضية الأوروبية، الداعية الى زيادة المساعدات الإنسانية المقدمة للاجئين الصحراويين بمثابة مؤشر واضح على الكارثة الإنسانية المرتقبة اذا لم تكن هناك مساهمة إضافية من قبل المانحين.
ورغم ما تقدم ذكره، الا ان هناك حقيقة جلية وهي ان المغرب لا يعد بلدا مانحا، واذا اضفنا الى ذلك مضايقته الصارخة للسكان المحتاجين يظهر لنا الحضيض الأخلاقي الذي وصل اليه مهندسو الدبلوماسية المغربية مرة أخرى.

وامام هذا الوضع، فإن برنامج الغذاء العالمي لا يفهم سبب إصرار المغرب، دون ان يكون دولة مانحة على المطالبة بخفض المساعدات الإنسانية المقدمة الى السكان المحتاجين؟ كما لا يفهم سبب شن تلك الحملة الشرسة التي تستنزف موارد هائلة ولا المضايقات التي يقوم بها المغرب بما يتعارض كليا مع المبادئ الأخلاقية التي تحكم المساعدات الإنسانية.
ولإزالة اللبس ووضع الأمور في نصابها، نشر برنامج الغذاء العالمي مذكرة بتاريخ 21 يوليو الجاري تؤكد من جديد على “الالتزام الذي حصل خلال الاجتماع السنوي لمجلس الإدارة شهر يونيو 2019 والمذكرة الشفوية الصادرة بتاريخ 14 ماي 2020 الخاصة باستمرار تقديم المساعدات الإنسانية بمخيمات اللاجئين بتندوف للأشخاص المعرضين لانعدام الامن الغذائي بما يتماشى مع المبادئ الإنسانية، النزاهة، الإنسانية وطابع الحياد”.

وفي ما يتعلق بقضية الإحصاء، يذكر برنامج الغذاء العالمي ان أي “إحصاء للسكان اللاجئين يقع على كاهل حكومة البلد المضيفة ومفوضية الأمم المتحدة لغوث اللاجئين” مضيفا “ان برنامج الغذاء العالمي له رقم تقديري بعدد الأشخاص المحتاجين الى مساعدات غذائية بناء على منهجية تقييم موضوعية تتم بالتعاون مع وكالات غوث إنسانية أخرى.”
ولا شك ان السفارة المغربية بروما قد ذهب ريحها عندما رات ان برنامج الغذاء العالمي ـ وبعيدا عن ان يتم اخذه بأصوات صفارات الإنذار قد زاد من مساعدته، مؤكدا في المذكرة الصادرة عنه “ان تفشي جائحة كوفيد 19تتطلب زيادة مؤقتة للاستجابة الإنسانية بمخيمات اللاجئين بتندوف، وهو ما أكدته دراسة تقييمية سريعة أجريت شهر ابريل 2020. وعلاوة على ذلك، فقد تم التأكد من صحة القرار المتخذ شهر ابريل بزيادة عدد المستفيدين مؤقتا من خلال جميع الشركاء الميدانيين، بما في ذلك وكالات الأمم المتحدة، المانحين والبلد المضيف”.

وفيما يتعلق بالاتهامات الشائنة القائلة بان المساعدات الإنسانية تخضع الى نظام الضرائب المالية بالجزائر، يؤكد برنامج الغذاء العالمي ” ان تلك المساعدات لا تخضع لاي نظام ضريبي من قبل الحكومة الجزائرية، كما انها معفية من شريبة القيمة المضافة، والحال كذلك بالنسبة للجزائر او بقية البلدان التي يعمل بها البرنامج. ويشمل دعم الحكومة الجزائرية لمخيمات تندوف تسهيل إجراءات التخليص الجمركي وعميات العبور عبر الموانئ ونقل الامدادات الإنسانية الى المخيمات.” وحول نقضة القيمة المضافة تلك، والتي سوقها المندوبين المغاربة الى أعضاء البرلمان الأوروبي “المحليين”، نفى السفير الجزائري ببروكسيل السيد عمار بلانى رسميا هذه الاتهامات الباطلة، مذكرا ان قانون الجباية الضريبية بالجزائر يعفى كافة الجمعيات الإنسانية والخيرية العاملة بالجزائر والمتعلقة بالهلال الأحمر الجزائري من الرسوم الجمركية وقيمة الضريبة المضافة.
ولإطلاق رصاصة الرحمة على حملة المضايقات تلك، أنهي برنامج الغذاء العالمي مذكرته بالتأكيد على ان “عمليات التدقيق تتم بشكل دوري” وان “اخر مراجعة من قبل مكتب المفوضية الأوروبية للمساعدات الإنسانية تمت في العام 2019 بنتائج مرضية.”

بقلم: محمد ليمام محمد عالي سيد البشير/ ممثل جبهة البوليساريو ببالد الباسك

ترجمة عن النص الأصلي بالإسبانية:

Sáhara Occidental: la UE y el PMA dejan en evidencia a Marruecos

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق