كلمة الرابطة

صحراوي غادي

البشير محمد لحسن

لستُ أدري ما الذي كان يقصده الأستاذ والأديب الراحل، أحمد الشيعة، من خلال إختيار إسم “صحراوي غادي” لصفحته على فيسبوك. لقد كان بإمكان الرجل وضع إسمه وصورته على صفحته الشخصية، فهو شخصية وطنية معروفة وله من المعارف والعلوم والتجارب السياسية والفكرية ما يؤهله لأن تكون صفحته تعجُّ بالمتابعين وتنهال عليها التعليقات والإعجابات من كل حدبٍ وصوب. لكن الراحل، أحمد الشيعة، بدل كل ذلك فضّل إختيار ذلك الإسم الغريب ولا بد أن لتلك التسمية دلالاتٍ عميقة ومغازٍ كثيرة قد لا ندركها بل ويمكن حتى ألّا تثير انتباهنا قبل رحيله.

ففي مقابلةٍ للمرحوم مع موقع “الضمير” نُشرت شهر ماي 2015، وفي رده على سؤالٍ حول النصيحة التي يريد توجيهها للشباب الصحراوي، كان جواب الرجل ضارباً في الحكمة والتبصّر، ولم يكن نمطياً كما عهدنا المسؤولين في مقابلاتهم الصحفية، بل راح الفقيد ينبش في التاريخ والهوية كشرطٍ لضمان المستقبل لأن الشعب الذي يفقد هويته وتاريخه من السهل ابتلاعه واحتلاله إن لم يكن عسكرياً فثقافياً. ولمحاولة فكّ سِرّ “الصحراوي الغادي”، يتحتّم علينا الرجوع إلى جوابه عن السؤال المذكور، إذ يقول: “في الحقيقة شباب يدرسون ويعرفون عن حياة ومقتل العربي بن مهيدي أكثر مما يعرفون عن الشهيد الولي أو الخليل سيد أمحمد، لا أعرف ما أقول لهم، فالعربي بن مهيدي مجاهد بطل من أبطال الثورة الجزائرية ومثله ديدوش مراد، ولكن أيّاً من هذين الرجلين لم يدرس حياة صلاح الدين الأيوبي على حساب معرفته للأمير عبد القادر الجزائري”. تلك الكلمات تعكس تمسُّك الراحل بهويته الصحراوية وتحسّرِهِ على جيلٍ لم يولِ ما يكفي من العناية والدراسة لتاريخه، وهو الخطر الذي كان الراحل أحمد يراهُ محدقاً بالشباب. ومن ذلك يتضح لنا سبب إختيار الفقيد لِصِفَةِ الصحراوي دون غيرها للتعريب بنفسه في صفحته الشخصية على موقع التواصل الإجتماعي فيسبوك، هذا فضلاً عن إسهامات الرجل التعليمية والثقافية والتنظيمية والنضالية بشكلٍ عام، والتي يصعب عَدّها في بضعة أسطر.

أما اللغز الآخر أي “الغادي” فمن الصعب كشفُ السبب الكامن وراء إختيار تلك الصفة تحديداً دون غيرها. لكن أعتقد أن لذلك ارتباط وثيق بطريقة أو بأخرى بواقعنا كصحراويين وتحديداً المغتربين. فالمهجر اليوم يعُجُّ بالإطارات والكوادر الوطنية التي وجدت نفسها فجأة “غادية” لسببٍ أو لآخر، ورغم العروة الوثقى التي تربط كل الصحراويين بقضيتهم وشعبهم غير أن القطيعة التي تحدث بين تلك الإطارات والتنظيم السياسي وإن كانت شكلية ولا تعني بأي حالٍ من الأحوال قطيعةً مع عهد الشهداء، فإنها ساهمت في أن يشعر بعض ممن كانت لهم مسؤوليات وإسهامات عظيمة في بناء المؤسسات وتكوين الإنسان في سنوات الثورة الأولى، بأن دورهم قد إنتهى أو أن نجمهم قد أفلّ، وهو شعور محبط ويتطلب مِنّا جميعاً فتح نقاش عميقٍ وصادقٍ بهدف البحث عن أنجع السبل لإستفادة الشعب والقضية من الخزان الهائل للكوادر الوطنية والإطارات من مختلف القطاعات الذي يزخر به المهجر، وهي طاقة لم نحسن استغلالها إلى اليوم. فكم من المعوقات والصعوبات والمشاكل التي تعيق عملية تطوير المؤسسات وتفعيلها وقد يكون حلّها لدى العنصر البشري المؤهل الذي راكم تجربةً نضالية فريدة مع الخبرة الغربية في مختلف التخصصات؟ وكم من إطارٍ صحراويٍ مقتدر يشعر اليوم أنه “غادي”؟

رحم الله الفقيد أحمد الشيعة وجزاه عن كل الأجيال خير الجزاء.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. اسمحوا لي أن ألفت انتباهكم الى أن صورة الرجل المعمم التي وضعتموها كبروفايل .درجت أفواج السياح القادمين الى افريقيا على الصاقها على جنبات سياراتهم وهو اقرب الى الرجل القبائلي الجزائري منه الى الصحراوي.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق