كتاب وآراء

الامم المتحدة الحل ام المشكلة؟

اسلامة الناجم

منذ ان انحرف مخطط السلام الاممي في الصحراء الغربية عن مساره بسبب التعنت المغربي المحمي بالمظلة الفرنسية مضافا اليها عدم فاعلية الهيئة الاممية و ضعف وأمناءها العامين. باتت تقارير الامين العام متشابهة بل مستنسخة وباردة الى حد الصقيع بحجة التوازن والحياد. والحقيقة ان الانحراف بدء مبكرا جدا وظلت العراقيل تتراكم حتى اوصلتنا الى الطريق المسدود. احدث الانحرافات في هذا المسار الطويل والعقيم يتمثل في التركيز على ازمة معبر الكركرات حتى غطى على جوهر النزاع. الذي تاه في التفاصيل الصغيرة و القراءات الانتقائية والمجتزأة للتقارير الاممية وتم اختصار المخطط في وقف اطلاق النار وفقط. وللاسف الشديد ان الامم المتحدة صارت تساهم في هذا الانحراف عن ضعف او عن قصد لا فرق في النية بالنسبة لنا نحن الصحراويين مادامت النتيجة واحدة. فمثلا حين يتمسك السيد غوتيريس بالدعوة إلى عدم “عرقلة حركة المرور المدني والتجاري العادية وعدم اتخاذ أي إجراءات قد تشكل تغييرا للوضع القائم في المنطقة العازلة”. انما يساهم فعلا من خلال هذه الدعوة في تغيير الوضع القائم اثناء توقيع اتفاق وقف اطلاق النار والشروع في تطبيق مخطط السلام، ويعطي للمغرب شرعية مفقودة. هذا الامر لم يفت البوليساريو كما يشير التقرير حيث دعت على معالجة الأسباب الكامنة وراء مظاهر التوتر في منطقة الكركرات “بطريقة فعالة في سياق نهج شامل يجب أن يحتل فيه التنفيذ التام لولاية البعثة مركز الصدارة”. واعتبرت “ان مرور المدنيين عبر المنطقة، يعني توسع المغرب حتى حدود بلد ثالث وهو اعتراف ضمني بأن الوضع النهائي للإقليم قد حُسم بالفعل”. وهذا هو مراد الرباط منذ اليوم الاول لفتح المعبر .فهو شريان حياة،اقتصادي واستراتيجي وسياسي.
لقد اخذت الامم المتحدة الوقت الكافي لحل ازمة الكركرات بما يتوافق مع الوضع القائم اثناء وقف اطلاق النار، لكنها لم تفعل شيء مذعنة لضغوط قوى أخرى. لذا حان الوقت لتنفذ البوليساريو وعيدها بأنها لن تقبل باستمرار الوضع الراهن على ما هو عليه.
هذا مثال اخر يوضح ان حياد الامم المتحدة المزعوم انما هو انحياز للرباط وانحراف عن المخطط . و الا فما معنى ان يقول السيد غوتيريس “ظل اختلاف تفسير الطرفين لولاية البعثة أكبر تحد أمام سير عمل البعثة. فالمغرب أكد أن ولاية البعثة تقتصر أساسا على رصد وقف إطلاق النار، ودعم عمليات إزالة الألغام، ومساعدة مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في تدابير بناء الثقة” .و”ظلت جبهة البوليساريو ترى أن تنظيم استفتاء بشأن تقرير المصير هو العنصر الأساسي ضمن ولاية البعثة، وأن رصد وقف إطلاق النار وتنفيذ الأنشطة الأخرى يندرجان ضمن ذلك الهدف أو يساعدان على تحقيقه”.لكنه حين ينقل تفسير الهيئة الاممية لعمل البعثة يورد هذه العبارات الرمادية. “و أكدت الأمم المتحدة أن ولاية البعثة مبينة في قرارات متتالية لمجلس الأمن وتشمل تقديم تقارير مستقلة إلى المجلس عن التطورات في الصحراء الغربية وفيما يتعلق بها”. فهو يتحاشى ان يقول صراحة ان مأمورية البعثة هي تنظيم استفتاء للشعب الصحراوي وهو تفسير البوليساريو.
ومن الامثلة ايضا على رخاوة الامم المتحدة هذه الفقرة التي وردت في تقرير امينها العام والتي تدينها بوضوح في انبطاحها امام المغرب او امام فرنسا بمعنى ادق حين يشير – التقرير- الى خطاب ملك المغرب بمناسبة ما يسمى المسيرة الخضراء الذي كرر فيه –كالعادة- “رفض أي حل آخر غير السيادة التامة للمغرب على الصحراء الغربية واقتراح الحكم الذاتي”، قال غوتيريس ان وسائط الإعلام ذكرت أن جبهة البوليساريو شجبت الخطاب “باعتباره تنصلا من التزامات المغرب في إطار عملية السلام”. وكأنه هو من الموقع الذي يشغله والهيئة التي يمثلها لا يشاركان الجبهة هذه الرؤية وهذا الاعتبار وهذا الشجب. ايضا حين يتطرق الى الوضع الحقوقي في المدن المحتلة يحرص على رص هذه العبارة “زعمت” جبهة البوليساريو أن قوات الأمن المغربية تقمع المتظاهرين الصحراويين السلميين بعنف. “المضايقات المزعومة من جانب السلطات المغربية للمدافعين الصحراويين عن حقوق الإنسان. زُعم أن المحتجين والناشطين تعرضوا لعمليات اعتقال تعسفي.دون ان يجد في هذه العبارة”زعم” مناسبة لتجديد الدعوة الى ايجاد الية لحماية ومراقبة حقوق الانسان في الصحراء الغربية حتى تكون الهيئة الاممية وأمينها العام على بينة و اطلاع على ما يجري هناك دون الحاجة الى بلاغة باردة في تقرير سياسي عن وضع ساخن.وهو مطلب البوليساريو الدائم. على ان اكبر هفوات التقرير هو اغفاله غير المبرر لذكر حكم محكمة العدل الاوروبية بان اتفاق الصيد البحري بين المغرب والاتحاد الاوروربي لا يشمل مياه الصحراء الغربية، وهو حكم يؤكد رأي المستشار القانوني للامم المتحدة السابق السيد كوريل. وقد كانت مناسبة التذكير سانحة امام الامين العام حين قال و”لا تزال الاستثمارات المغربية والدولية في المياه الإقليمية المتاخمة للصحراء الغربية موضوع تنازع بين حكومة المغرب وجبهة البوليساريو”لكنه لم يفعل.
يختم السيد غوتيريس تقريره بالتأكيد “ان النزاع على الصحراء الغربية طال أمده كثيرا ويجب إنهاؤه من أجل سكان الصحراء الغربية ومن أجل كرامتهم، بما في ذلك أولئك الذين نزحوا منذ أكثر من أربعة عقود، وكذلك من أجل الاستقرار في المنطقة برمتها، التي تواجه العديد من التحديات السياسية والاقتصادية و الأمنية”.
هذا الاسف الاممي لا يقابله اقتراح عملي لإنهاء النزاع سوى الحفاظ على وقف اطلاق النار والدعوة للمفاوضات دون شروط مسبقة . وفي الحقيقة ان المفاوضات يحب ان تكون مشروطة، من الامم المتحدة تحت سقف او شرط الاستفتاء الضامن للصحراويين حق وحرية تقرير المصير. ومن البوليساريو بسقف زمني او بتحقيق تقدم ملموس على الارض.دون هذا ستظل المفاوضات حوار طرشان لا فائدة فيها ولا منها.
مهما اختلفنا في قراءة التقرير وتفسيره بين الرضى او الغضب، بين التفاؤل او التشاؤم. اعتقد اننا لن نختلف في قراءة تفصيل صغير ورد في اخر التقرير على انه مثال ساطع وقاطع على ضعف الامم المتحدة وعلى عدم جدية مجلس الامن. يقول الامين العام” وفي غرب الجدار الرملي، لا تزال مركبات البعثة تحمل لوحات الأرقام المغربية، وهو ما يؤثر في النظرة إلى حياد البعثة، ويتنافى مع الاتفاق المبدئي الذي تم التوصل إليه مع الحكومة المغربية في عام ٢٠١٥. وواصلت جبهة البوليساريو أيضا الاحتجاج على الممارسة المغربية المتمثلة في وضع أختام على جوازات سفر موظفي البعثة عند الدخول إلى الصحراء الغربية والخروج منها” .هذا الاسطر تلخص عبثية المشهد عجز الامم المتحدة و لامبالاة مجلس الامن وسذاجتنا نحن في التعويل المطلق عليهما في حل النزاع وهما قد عجزا او لا يريدان فرض ما هو ابسط تغيير لوحات ارقام سياراتها.من هنا ندرك سبب تمسك المغرب بمجلس الامن “باعتباره الهيئة الدولية الوحيدة المكلفة برعاية مسار التسوية،ورفض أي مقترحات متجاوزة ترمي إلى تحويل مسار التسوية عن المرجعيات المعتمدة”. كما ورد في خطاب ما يسمى المسيرة الخضراء الفارط. لأنه يعول على فرنسا التي ستشل أي مبادرة او اقتراح من شأنه زعزعت احتلاله للصحراء الغربية. المغرب الذي اقام الدنيا وملأها صخبا اثر انضمامه للاتحاد الإفريقي يتعالى على هذا الاتحاد ويرفض تدخله من اجل ايجاد حل للنزاع طال امده بين عضوين من أعضائه لأنه على يقين من جدية الاتحاد الافريقي و تعامله مع الطرفين على قاعدة المساواة. لذلك يرفض التعاطي معه ويمنعه من زيارة الاراضي المحتلة.
خلاصة القول نحن مع الشرعية الدولية ومنفتحين على كل الاراء والمقترحات التي تقدمها لحل النزاع بما يضمن لشعبنا حقه في تقرير المصير. لكن علينا في الوقت ذاته ان نستمر في بناء مؤسساتنا وهياكلها داخل الاراضي المحررة. علينا ان نواصل الضغط في الكركرات حتى يتم غلق المعبر بشكل نهائي، والتمسك بالاتحاد الافريقي كوسيط سلام واشراكه الى جانب الامم المتحدة، ومجلس الامن في بلورة حل يمكن الشعب الصحراوي من حق تقرير المصير . وليس في هذا كسر للشرعية الدولية، او تغيير للأمر القائم بعد وقف اطلاق النار .فالرباط هي من يتحدى الشرعية الدولية من خلال النهب المستمر لثروات الاقليم، وفتح معبر الكركرات و تغيير ديموغرافيا الإقليم وتنظيم المنتديات الدولية-كرانس مونتانا- وغيرها في المدن المحتلة. ان التعنت المغربي لا ينفع معه إلا تعنت في المقابل والدفع نحو التصعيد. لاسيما ونحن امام فرصة قد لا تتكرر الا بعد وقت طويل، تتمثل في التهاب الجبهة الاجتماعية المغربية، وتخبط القصر في مواجهتها اذ لم ينفع مع المحتجين في الحسيمة وجرادة وغيرهما لا العنف ولا الاغراء. والبؤر المتفجرة التي تحيط بأوروبا من كل مكان.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق