كلمة الرابطة

الشجرة المتجذرة…

تهش وتتهلل الشجيرة، وتهتز للنسيم البارد العليل، وتتمايل أغصانها فرحا وطربا لحبيبات الرذاذ ولقطرات الغيث المكورة الصغيرة، وتحلم بأن تخضر ويورق كل غصن فيها، لحظة ما تشرع السماء في الغزْلِ من صوفها الأسود، حبات مطر رطبة لامعة، تماما كما تخرج الفراشة الزاهية من قبة شرنقتها الصوفية، وكما يتحرر كل عصفور من أسوار قفصه.
وتتهامس الأشجار بهجة وسرورا، كلما لاح وجه غيث كريم، وإن بان، فلا بد أن تصل رياحه أو تمر من بينها خطاه ندية مبللة.
وعندما ينحبس المطر وتبخل السماء، تتخلى الشجيرة عن مظاهر البذخ وعلامات الثراء الزائف: فتتساقط من يدها الخائرة الواهنة، كل الثمار وحدانا وزرافات.
حتى تمسي شاحبة مخشوشنة وكثيرا ما تخرج شوكها كحراب وسنان أمام كل عابث.
تبدو كل مظاهر الشجيرة منسجما مع المرحلة التي تمر بها إنها مراحل الموت أو الحياة.
فلا ورقة خضراء، ولا وردة ملونة ولا غصنا أخضرا، ولا ثمرة يانعة مكتنزة صبوحا.
فإن بان لك مظهر بذخ فهو نبات متطفل بغيض يعشش لمص صمغها على ألمها يقتات فهو ليس من نسيجها أبدا وإن بدى لك كجزء منها فهو ليس إلا محتالا طحلبا أو فطرا بلا ساق ولا جذر، بل هو الخطر عليها والمرض القتّال.
تشرع الشجيرة في استراتيجية “البقاء للأقوى” الذي لا يكون إلا بتكتيكات جديدة، تمد الشجيرة جذيرها في الأرض الرحيمة وتبدأ في مقاومة الموت بالحفر في الأرض وتجذير نفسها فتمد جذيرها الرقيق بين حبات الرمل تمتص ما تبقى فيها من ندى ورسا وعلق بها من بلل.
ولكن لا بد لأوقات الصبر أن تنقضي وأيام الجفاف أن تنجلي وتمر وإن طالت.
ولا بد للغيث أن يهطل ولا بد يوما من أن تتحول الأرض الجافة الى وديان ممتلئة بالماء وبالحياة.
سنة الله بقاء الحال من المحال.
بقلم حمدي حمودي

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق