كتاب وآراء

اللغة العربية والعملية التواصلية

الدكتورة يهديا لحسن أمبارك

إن اللغة باعتبارها أصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم، قاعدة رئيسية في نقل المعرفة والمهارات إلى المتعلمين،حيث إن الطبيعة الصوتية تستدعي طرقا ومناهج لإتقانها بين صفوف المتعلمين، والأمر راجع إلى معرفة قوة اللغة العربية في شتى العلوم، فاللغة العربية عرفت قفزة كبيرة في عدد الأشخاص الذين يتقدمون لتعلمها، إما عن طريق غرفة التدريس أو على شبكة الإنترنت. واللغة لسان ثقافة المجتمع، والنظام العام المشترك بين عناصره، نتعرف عبرها درجة الرقي في سلوك المجتمعات وتفكيرها، وقدرة الإنسان على تسمية مفاهيمه، والأشياء المحيطة به. ولا تجد مجتمعاً واعيا في الحياة إلا ويحرص على تعليم لغته لاعتبارها وسيلة التقدم وإحراز السبق والتفوق في نشر الثقافة والفكر، ومن ثم وجب على اللغويين أن يهتموا بمسألة تحديد الصفات الأساسية التي تستند إليها أنظمة القواعد الناحجة، وينبغي أن تكون النتيجة النهائية لمثل هذه البحوث إنشاء نظرية للبنية اللغوية… إن إحدى وظائف هذه النظرية هي توفير طريقة عامة لاختيار نظام قواعد لكل لغة من اللغات، إذا أعطي الباحث ذخيرة (corpus) من جمل هذه اللغة. هذا الأمر يستوجب أموراً أساسية في تعلم اللغة العربية خاصة نظراً لما تضمه من قواعد لغوية كثيرة، ترتكز على” الجانب النحوي (syntaxe)، أي علاقة الرموز اللغوية بعضها ببعض، والجانب الدلالي sémantique أي علاقة الرموز اللغوية بالأشياء التي تدل عليها، والجانب التداولي pragmatique، ويعنى بعلاقة الرموز اللغوية بالمتلقي، وبالظواهر النفسية والحياتية والاجتماعية المرافقة لاستعمال هذه الموز وتوظيفها. هذا يقتضي تحفيز الطاقة الادراكية بصورة مكثفة لدى المتعلم، بعد مرحلتي الاستماع والقراءة، للحصول على نتائح تواصلية في عملية التعليم. يعتمد نموذج النحو الوظيفي على مبادئ منهجية عامة وثابتة لا يحيد عنها، تتمثل في: وظيفة اللغات الطبيعية: المتمثلة أساساً في عملية التواصل، التي توصف اللغات الطبيعية في اطارها من وجهة نظر وطيفية أي الوجهة النزرية التي تعتبر الخصائص البنيوية للغات محددة (جزئياً على الأقل بمختلف الأهداف التواصلية التي تستعمل اللغات لتحقيقيها. من تم كان موضوع الدرس اللساني هو وصف” القدرة التواصيلية” communicative competence، للمتكلم – المخاطب” وظل هذا المبدأ شعاراً يرفعه أعلام المدرسة الوظيفية في الألسنية الحديثة إلى أن جاء سيمون ديك الذي عدّ كل لغة طبيعيةً هي نظام يحتوي على خصائص بنيوية، هدفها الأساسي تحقيق عملية التواصل بين المتكلمين بها.
إلا أن السؤال الذي يبقى شائكا هو: ماهو المنهج الأمثل، والطريقة الأنجع في تعليم اللغة العربية كلغة ثانية؟
إن اللغة العربية نظام لساني تكشف جوهر الإنسان وفكره، فهي مرآة ثقافته وهويته وتراثه، تعبر عن أغراضه وتطلعاته. وهي خاصية من خصائصه، والوسيلة الاجتماعية التي اقتضتها حياته، لبقاء المجتمع وتماسكه، والعامل الهام في وحدة الجماعات البشرية، والمميزة لتراثه الثقافي والحضاري والحافظة له. وهي عنصر الاتصال والتواصل بين الفرد والآخر، فاللغة بنية (تركيبية صرفية ودلالية) تخلقها وظيفة التواصل، والخصائص الوظيفية للغات الطبيعية تحدد، إلى حد بعيد خصائصها البنيوية، البنية التركيبية الصرفية نتيجة لتفاعل أنواع ثلاثة من الخصائص الدلالية والخصائص التداولية والخصائص التركيبية، والعلاقات بين مكونات الجمل أنماط ثلاثة: علاقات دلالية (علاقات المنفذ، والمتقبل، والمستقبل والأداة والزمان والمكان…) وعلاقات تركيبية (علاقة الفاعل، وعلاقة المفعول)…”.
إن دور النظرية التداولية لا يقتصر على القدرة التواصلية، وإنّما تحاوزت الأمر إلى الأخذ بعين الاعتبار طاقات ومعارف أخرى، إضافةً إلى الطاقة والمعرفة اللغوية (النحوية)، وذلك من خلال نموذج مستعمِل اللغة الطبيعية, ومستعملو اللغة الطبيعية لا يتواصلون فيما بينهم إلا بخطابات، ولهم قدرة تواصلية متكاملة أي مجموعة من الملكات، وهي الملكات المعرفية، واللغوية، والإدراكية، والمنطقية والاجتماعية… ولا تصل النظرية حدّ التكامل والكفاءة الشاملة إلا إذا رُصدت هذه الملكات كلَّها ولم تقف عند حدود الملكة اللغوية وحدَها. إلى جانب الكفاءة اللغوية والدلالية في علاقة الكلمة بمدلولها، أي ما تشير إليها في عملية تعليم اللغة، تأتي أهمية الحديث عن الدور الرئيسي الذي تؤديه الصورة التعبيرية التي تبنى على المشاهدة والملاحظة، في ترسيخ المفردات والكلمات الجديدة لدى المتعلم “اعتبارها إعادة انتاج بواسطة المحاكاة” .
وحسب تطور العملية التعليمية للغة العربية فإن من الأمور الناجعة في عملية تعليم اللغة العربية كلغة ثانية حسب رأيي:
إنشاء معجم الكلمات والمفردات والتراكيب الخطابية والتواصلية.
فكرة استخدام المنصات التعليمية عن بعد ودورها في تعزيز تعليم اللغة العربية.
إتاحة الفرص للخبراء الدوليين في تدريس اللغة العربية لتقديم المنهجيات المعتمدة في معاهدهم.
تدريب أعضاء هيئة التدريس في الجامعات على تصميم المناهج الدراسية لتدريس اللغة الثانية (العربية) مثل المادة الأساسية.
تزويد أصحاب المصلحة بأحدث النظريات في تدريس اللغة العربية للناطقين بغيرها، وتبادل الأفكار والخبرات المعنية بهذا الصدد.
تعزيز جميع المبادرات الجادة في هذا المجال وحتى تبنيها.
إدراج مواد ثقافية (الحديث عن التقاليد العربية في مواضيع الزفاف وغيرها من الأمور التي تحمل طابعاً ثقافياً عربياً خاصاً) ضمن البرامج التعليمية، نظراً لقوتها في ترسيخ مفردات وكلمات في تعلم اللغة العربية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق