مقالات

الى الكاتب الكبير سعد بوعقبة ..

عزيزي الأستاذ سعد بوعقبة ..
هل تتذكر مرة حين عبر الكاتب الصحفي المحترم الراحل بشير حمادي عن حزنه بالقول ” .. أنا حزين لأن عشرات الصحف تباع أمام المطابع مثل الخضراوات .. ” .. وأنا يا أستاذ أنتمي وبكل أسف الى جيل حين بدأ يشتري ويتصفح الجرائد  -إن تصفحها- كان حال الصحف قد تدهور أكثر فأكثر فقد بدأت تباع مع أمهات الكتب والمجلات على قارعة الطريق بجانب الخضر والفواكه وأشياء أخرى ولا تثير حتى إنتباه المارة ولقد أصبحت أرى اليوم ماهو أفظع، بائع الصحف يضطر تحت وقع حالة العزوف عن إقتناء النسخ اليومية من الجرائد الى تسليمها بأحزمتها المربوطة ومجانا لبائع الخضر الذي بجانبه ليلف بها الخضروات لزبائنه او لصاحب ورشة ليلمع بها زجاج السيارات، أنا وبكل أسف وحسرة أنتمي الى هذا الجيل وقد ولدت وكبرت في هذا الزمن لكنني أمضي جل يومي متحسرا وأنا ألعن هذا الزمن على أم هذا الزمن !! .. لذلك كان شيئا عظيما ان تخط إسمي بقلمك الذي ينتمي الى زمن وجيل ذهبيان لن يتكررا ..
بداية إسمحلي على التأخر في الرد على مقالكم او -دعني أقول- على جميلكم الصادر بجريد ” الخبر” العدد رقم 8875 الصادر بتاريخ 21 مايو 2018 والمعنون ب “شكرا يا الرشيد!” وبالظبط في ركن عمودكم المحترم “نقطة نظام” والذي يقرأه الملايين من متابعيكم يوميا على صفحات جريدة “الخبر” في نسختيها الورقية والإلكترونية، لقد تأخرت في ردي هذا لسببين إثنين أولهما هو رغبتي في نشر مقالكم وإعطاء فرصة لقراءته والإستمتاع به وأما السبب الثاني فكان شخصيا وله علاقة بنفسيتي فقد رأيت أنه من الحكمة ان أعطي لنفسي فرصة للخروج من هول مفاجأتكم المدهشة فليس من السهل ان تستيقظ صباحا فتتناول وجبة الإفطار ثم تتصفح مواقعك التي تطالع وتذهب الى قراءة عمودك المفضل لتجد مقال ذلك اليوم معنون بإسمك وبالبند العريض .. هذا ليس سهلا أبدا على الأقل بالنسبة لقاريء يقدر قيمة الحروف والكلمات والأفكار حين ينسجها الكتاب وقت فرح او وقت ألم بعد جهد كبير وتفكير عميق ثم يقدمونها كأطباق شهية لملايين البشر المتعطشون الى رؤية ما بصدورهم وأنفسهم معبرا عنه بقلم كاتب او بريشة رسام على ورق جريدة محترمة او في صفحة موقع على شاشة هاتف او جهاز حاسوب في عصر الإنترنت الذي نشهد اليوم ..
عزيزي سعد .. كم أتمنى أن أحب بلدي مثلما تحب انت الجزائر .. كم أتمنى أن أكتب عن بلدي بصدق مثلما كتبت انت بصدق عن بلدك الجزائر ..
وإسمحلي ان اقول لك مرة اخرى، أن تستيقظ صباحا على خبر رائع ومدهش مثل أن الأستاذ الكبير سعد بوعقبة كتب عنك في أشهر عمود وفي واحدة من أشهر الصحف .. العمود الذي يتمنى كل السياسيين في الجزائر وفي العالم العربي الظهور فيه .. العمود الذي لو لم يكن عمودا صحفيا نزيها بمعنى الكلمة وعرض للبيع لتسابق كل السياسيين الى شراء مساحته اليومية بأي ثمن .. ان تستيقظ على خبر من هذا النوع هذا ليس أمرا سهلا ولابد لي ان أقول لك أنه خبر رائع ومدهش ولا يصدق ..
لقد درست يا استاذي العزيز في الجامعة الجزائرية، تحديدا بجامعة سكيكدة وكنت أول ما أفعله عندما أستيقظ صباحا هو الذهاب الى كشك الجامعة لشراء جريدة “الخبر” الجزائرية ومرة في الأسبوع كنت اشتري اسبوعية “الخبر الاسبوعي” قبل ان تتوقف عن الصدور .. كنت دائما أخشى ان أصل متأخرا وأجد ان كل النسخ قد نفذت لأنه سيصبح من الضروري ان أبحث عنها مهما كلفني ذلك من ثمن حتى ولو بطلبها من أي جزائري أجده ذلك اليوم جالس في مقهى او أمام محله في الشارع يطالعها بشقف .. كنت أحتفظ بكل النسخ وأعيد قراءتها وصدقني لازالت تلك النسخ عندي حتى اليوم والمضحك في الأمر ان صفحات الكلمات المتقاطعة لازالت نظيفة .. كنت أبكي وانا أرى البعض لا يشتري اليوميات والأسبوعيات إلا لأجل حل الكلمات المتقاطعة وأتساءل بحرقة أحقا لا يشتري البعض الجريدة إلا لأجل صفحة الكلمات المتقاطعة!! ..
خلال تلك السنوات الجميلة في مقاعد الجامعة تعرفت إليك يا استاذ سعد من خلال عمودك طبعا وتعرفت الى الراحل بشير حمادي .. خلال تلك الفترة الجميلة من حياتي من العشرية الأولى في الألفية الجديدة تعرفت على الصحفي الرائع علي رحايلية وكنت أطالع بشقف كبير مقاله الأسبوعي في أخر صفحة من “الخبر الاسبوعي” والموقع بقلم  “المواطن” كما تعرفت على المحترم عبد العزيز غرمول والرائعون كمال زايت ومحمد شراق ورضا شنوف وكمال جوزي والعربي زواق والكاريكاتير ايوب وبعض من هؤلاء إلتقيته بمقر الجريدة الجديد بالجزائر وكان معي بعض الأصدقاء الزملاء من الصحراء الغربية وبعضهم الأخر إلتقيته بمخيمات اللاجئين ولي معهم ذكريات لا تنسى ومغامرات رائعة .. في ذلك الوقت تعرفت كذلك الى الرائع احميدة العياشي مناجير “الجزائر نيوز” وزرت صحيفته بالعاصمة رفقة بعض الزملاء .. تعرفت كذلك الى أعلي رحمه الله من “المساء” الجزائرية ورابح من “الوطن” الناطقة بالفرنسية وبعد ذلك الى حفصي من “النهار” ووهيبة من الاذاعة الجزائرية الناطقة باللغة الاسبانية وعدد كبير من الصحفيين الجزائريين .. ومنذ ذلك الوقت وحتى اليوم كنت ولا ازال معجبا بهامش حرية الرأي في الجزائر وكنت أقرأ كل كتاباتكم وأقول في قرارات نفسي كم أتمنى ان تصبح بلدي التي مازلت أحاول رسم صورة لها مثل الجزائر .. كم أتمنى ان يحظى جيلي من المتطفلين على الإعلام برؤية ذلك البلد المستقل الذي يتمتع فيه الانسان بأجمل حق في الحياة الا وهو حرية الرأي والتعبير دون قيود او شروط إلا ما كان منها أخلاقيا او مهنيا، في ذلك الوقت وحين تكون بلدي مستقلة ذات سيادة ربما سأكون قد كبرت بالنظر الى التعقيدات التي مازالت تحول دون إيجاد حل لقضيتنا، قضية الصحراء الغربية، ولكنني سأقول لجيل ذلك الزمن أنني فخور جدا بكوني واحد من أبناء هذا الشعب تعلم كيف يكتب وكيف يكون حرا وكيف لا يخشى شيئا وكيف ينتقد وكيف يجرأ وكيف يتكلم وكيف يرفع رأسه وكيف يكون له “نيف”، سأقول لهم لقد تعلمت كل ذلك في بلد إسمه الجزائر ومن صحفيين بارزين من أمثال سعد بوعقبة وبشير حمادي وعلي رحايلية والعربي زواق ومحمد شراق ورضا شنوف وكمال زايت واحميدة العياشي وعبد العزيز غرمول وأيوب وغيرهم ..
وختاما يا عزيزي اجدد شكري لك على المفاجأة المدهشة وسأحتفظ بنسخة مقالك عني لأعطيها لأولادي بعد ان اتزوج وأنجب ليحتفظوا بها وسأقول لهم أنظروا كيف حظي والدكم يوما ما بمساحة كاملة غير منقوصة يتمنى كل السياسيين ورجال الاعمال والثقافة والفن ان يشغلوا ولو جزءا منها وفي زمن كانت فيه القضايا الوطنية والعربية والعالمية تطغى على كل ما عداها ولم يكن من المتوقع وسط كل ذلك الزخم ان يحظى أي إنسان عادي وبسيط بإهتمام صحفي من حجم الأستاذ سعد بوعقبة ..
وشكرا لك دائما ..
عبداتي لبات الرشيد
من مخيمات اللاجئين الصحراويين بالجزائر الجميلة ..
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق