مقالات

الشرق الاوسط : صراع المصالح وانعكاساته دوليا وعالميا !

محمد حسنة الطالب
يعد الشرق الاوسط منطقة ذات حساسية كبيرة بالنسبة للقوى العظمى، حيث اكتسب من منظور المصالح ، أهمية كبرى تجلت في توفره على العديد من الموارد الإقتصادية الطبيعية خصوصاً النفط والأيدي العاملة، والطاقة الشمسية والغاز، إلى جانب معادن عديدة مهمة في بناء الصناعات الحيوية، التي ترتكز على قاعدة واسعة من التقدم العلمي والتكنولوجي، وبذلك تحولت هذه المنطقه من العالم إلى مسرح استراتيجي هام للقوى الصناعية الكبرى، كونه يؤمن تدفق النفط والغاز والمواد الأولية وله ممرات مائية وأجواء تضمن السيطرة على العالم، وهذا ما جعل العديد من الدول تربط أمنها القومي بالشرق الأوسط.
الصراع الدولي على هذه المنطقة تقوده في الوقت الحالي كلا من الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا ، اللتين تتبع لهما دول وأذرع تنفذ أجنداتهما بالوكالة ، فالولايات المتحدة استغلت انهيار الاتحاد السوفيتي أنذاك وسارعت الى قضم دول الخليج بانشاء قواعد عسكرية جديدة تحت ذريعة حمايتها من العراق ، حتى جاءت ساعة الصفر في عام 2003 وإستولت على العراق ايضا وهكذا ظلت المسيرة الامريكية متسارعة نحو بسط هيمنتها على الشرق الاوسط، باعتباره بوابة العالم، لكن هذا التمادي اوقع واشنطن في جملة من الاخطاء ابرزها المبالغة في انتهاك قواعد العلاقات الدولية ومصالح الدول الاخرى وتوسيع مفهوم الامن القومي الامريكي، والاخطر من ذلك اهانة روسيا بشكل جعل ردها على التوسع الامريكي امرا حتميا لا سيما بعد ان تم قضم ما تبقى من مناطق نفوذ موسكو، فبالاضافة الى العراق سقطت ليبيا ورغم ذلك التزم الروس طريق الحذر .
في سوريا انقلبت الموازين وجاءت الخطة الامريكية في وقت متاخر، لأن الدب الروسي لم يعد يحتمل المزيد من التجاوزات لا بل وشعر بحاجة ماسة لاثبات ذاته بعد خمسة عشر عاما من الاصلاحات الاقتصادية والعسكرية تحت قيادة الرئيس فلادمير بوتين، الذي أثبت الروس بفضل دهائه جدارتهم في التحكم في الصراع الدائر  بسورية ، الذي إنتهى بخروج الولايات المتحدة دون إسقاط الرئيس بشار الاسد وعدم فرض السيناريوهات التي كانت مقررة ضد هذا البلد وأصدقائه.
وبغض النظر عن الاسباب الكثيرة التي ادت الى بروز الدور الروسي في المنطقة الا ان النتيجة واحدة، هي ان موسكو اصبحت لاعبا اساسيا في مختلف قضايا المنطقة، وهكذا إنتهت دائرة الصراع الكبرى بتراجع امريكا للوراء قليلا وانطلاق موسكو باقصى سرعة ممكنة نحو اهدافها في الشرق الاوسط . أما بالنسبة لدائرة الصراع الإقليمية فقد إزداد عدد اطرافها ما جعل الأمور تزداد تعقيدا، فالميدان واسع والمواجهة على مرمى حجر، حيث اليمن وسوريا والعراق هي الساحة، والرياض وتل ابيب وطهران هي مراكز التحكم.
فايران ادركت منذ البداية ان هذه الحرب طويلة واستنزافية فيما استعجل خصومها الخليجيين والاسرائيليين حسم الامور لصالحهم، فكانت النتيجة نجاح المقاربة الايرانية للصراع وفشل المقاربة التي تبنتها دول الخليج واسرائيل.
انهت العراق ازمة داعش وخرجت بعلاقات اقوى مع طهران عرفت ولادة فصائل مسلحة موالية لها بالإضافة قوات الحشد الشعبي، اما في سوريا فرغم تعقيدات الامور فيبدو ان ايران وتحالفها مع الاسد وحزب الله قد حققوا اهدافا كبرى تمنع حصول اي انتكاسة لهذا المحور في المستقبل.
اما على مستوى المحور الخليجي الاسرائيلي فالخسارة ترجمتها الازمة مع قطر، والارتماء السعودي الاماراتي باحضان شركات السلاح الامريكية والاوربية، ما جعل الخوف يسود بسبب النتائج التي افرزتها السنوات الماضية، وبدل إسقاط النظام السوري ، ظهر واقع جديد اصبحت ايران وحزب الله هما المتحكم الرئيسي فيه، وبالنسبة لليمن فاعترافات محمد بن سلمان حول تنامي قدرات الحوثيين وتشبيهها بقدرات حزب الله، فهذا يؤكد حجم التغلغل الايراني هناك، اما في العراق فإن تودد الرياض لبغداد قد لا يفيد في تخلي هذه الأخيرة عن محور أثبت جدارته في التعاطي مع مختلف الأحداث بالمنطقة ، ونعني هنا محور (طهران، بغداد، دمشق، بيروت)، وربما صنعاء في القادم من الأيام .
وبالعودة دائما الى القطبين الفاعلين في الشرق الاوسط وإيرادتهما في الحصول على المزيد من المكاسب والإمتيازات ، نجد أن الزيارات المتتالية التي يقوم بها بوتين لطهران قد كشفت عن مرحلة جديدة من التحالفات المستقبلية التي يراد منها تعديل موازين القوى ليس في الشرق الاوسط فحسب، بل في جميع انحاء العالم ، وبالتالي قد لا تخرج تسوية القضايا العالقة والمصيرية لبعض الشعوب عن هذا النطاق ولنأخذ مثالا من محيطنا العربي ، حيث القضية الفلسطينية وقضية الصحراء الغربية المتفاوتتين في القدم والمأساة ، بسبب تغلب لغة المصالح المتداولة اليوم أكثر من أي وقت مضى ، على لغة القانون والشرعية التي باتت مستباحة ومتجاوزة بحكم الواقع المرير .
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق